آخر المواضيع

السبت، 28 ديسمبر 2013

الفقه الافتراضي مخالف لنهج السلف.


جاء في جامع العلوم والحكم :
(...) كان كثيرٌ من الصحابة والتابعين يكرهون السؤال عن الحوادث قبلَ وقوعها ، ولا يُجيبون عن ذلك ،

قال عمرو بن مُرة : خرج عمرُ على الناس ، فقال : " أُحرِّجُ عليكم أنْ تسألونا عن ما لم يكن ، فإنَّ لنا فيما كان شغلاً"
وعن ابن عمر ، قال : لا تسألوا عما لم يكن ، فإني سمعتُ عمر لعنَ السَّائل عمَّا لم يكن .
وكان زيدُ بنُ ثابتٍ إذا سُئِلَ عن الشَّيءِ يقول : كان هذا ؟ فإنْ قالوا : لا ، قال : دعوه حتّى يكون .
وقال مسروقٌ : سألت أبيَّ بن كعبٍ عن شيءٍ ، فقال : أكان بعدُ ؟ فقلت : لا ، فقال : أجِمَّنا - يعني : أرحنا حتَّى يكونَ - ، فإذا كان اجتهدنا لك رأينا .
وقال الشَّعبيُّ : سئل عمارٌ عن مسألة فقال : هل كان هذا بعدُ ؟ قالوا : لا ، قال : فدعونا حتَّى يكون ، فإذا كان تَجَشَّمْنَاهُ لكم.
وعن الصَّلْتِ بنِ راشدٍ ، قال : سألت طاووساً عن شيء ، فانتهرني وقال : أكان هذا ؟ قلت : نعم ، قال : آلله ؟ قلت : آلله ، قال : إنَّ أصحابنا أخبرونا عن معاذ بن جبل أنَّه قال : أيُّها النَّاسُ ، لا تعجلوا بالبلاء قَبْلَ نزوله ، فيذهب بكم هاهنا وهاهنا ، فإنَّكم إنْ لم تعجَلوا بالبلاء قَبْلَ نزوله ، لم ينفكَّ المسلمون أنْ يكونَ فيهم مَنْ إذا سُئِلَ سُدِّدَ ، أو قال وُفِّقَ " وقد خرَّجه أبو داود في كتاب " المراسيل ") مرفوعاً من طريق ابن عجلان ، عن طاووس ، عن معاذ قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تعجَلوا بالبلية قبل نزولها ، فإنَّكم إنْ لم تفعلوا لم ينفك المسلمون أنْ يكون منهم من إذا قال سُدِّدَ أو وفق ، وأنَّكم إنْ عجِلْتُم ، تشتِّتُ بكمُ السُّبُلَ هاهنا وهاهنا . ومعنى إرساله أنَّ طاووساً لم يسمع من معاذ .
وخرَّجه أيضاً من رواية يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، بمعناه مرسلاً .
وروى الحجاج بن منهال : حدَّثنا جرير بن حازم ، سمعتُ الزبير بنَ سعيدٍ : أنَّ رجلاً من بني هشامٍ قالَ : سمعتُ أشياخنا يحدِّثونَ أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ : (( لا يزالُ في أمتي من إذا سئلَ سدّد وأرشدَ حتَّى يسألوا عنْ ما لا ينْزل تبينهُ ، فإذا فعلوا ذَلِكَ ذُهبَ بهم هاهنا وهاهنا)) .
وقد روى الصنابحيُّ، عنْ معاوية، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : (( أنَّهُ نهى عنِ الأغلوطات )) خرَّجهُ الإمامُ أحمد رحمه الله .
وفسرهُ الأوزاعيُّ وقالَ : هي شدادُ المسائلِ .
وقال عيسى بنُ يونسَ : هي ما لا يحتاجُ إليهِ منْ كيف وكيف.
ويروى من حديثِ ثوبانَ ، عنِ النَّبيِّ- صلى الله عليه وسلم - ، قالَ : (( سيكونُ أقوامٌ منْ أمتي يُغَلِّطونَ فقهاءهم بعضلِ المسائلِ ، أولئكَ شرارُ أمتي )) .
وقالَ الحسنُ : شرارُ عبادِ اللهِ الذينَ يتبعونَ شرارَ المسائلَ يَغُمُّون بها عبادَ اللهِ.
وقالَ الأوزاعيُّ : إنَّ اللهَ إذا أرادَ أنْ يَحرُمَ عبدَهُ بركةَ العلمِ ألقى على لسانهِ
المغاليط ، فلقدْ رأيتهم أقلَّ النَّاسِ علماً.
وقالَ ابنُ وهبٍ ، عنْ مالكٍ : أدركتُ هذه البلدة وإنَّهم ليكرهون الإكثارَ الذي فيهِ النَّاس اليومَ : يريدُ المسائلَ .
وقالَ أيضاً : سمعتُ مالكاً وهو يعيبُ كثرةَ الكلامِ وكثرةَ الفتيا ، ثُمَّ قالَ : يتكلمُ كأنَّهُ جملٌ مغتلمٌ ، يقولُ : هوَ كذا هوَ كذا يهدرُ في كلامهِ .
وقال: سمعتُ مالكاً يكره الجوابَ في كثرة المسائل، وقال : قال الله - عز وجل -: { وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } فلم يأته في ذلك جواب .
وكان مالكٌ يكره المجادلة عن السُّنن أيضاً . قال الهيثم بن جميل : قلت لمالك : يا أبا عبدِ الله ، الرجلُ يكونُ عالماً بالسُّنن يُجادل عنها ؟ قال : لا ، ولكن يخبر بالسُّنَّةِ ، فإنْ قُبِلَ منه ، وإلاّ سكت .
قال إسحاق بن عيسى : كان مالك يقول : المِراء والجِدال في العلم يَذهبُ بنور العلم من قلب الرجل .
وقال ابن وهب : سمعت مالكاً يقول: المراء في العلم يُقسِّي القلوب ، ويورِّث الضغن .
وكان أبو شريح الإسكندراني يوماً في مجلسه ، فكثُرَتِ المسائلُ ، فقال : قد دَرِنَتْ قلوبُكم منذُ اليوم ، فقوموا إلى أبي حُميدٍ خالد بن حميد اصقُلوا قلوبكم ، وتعلَّمُوا هذه الرغائب ، فإنَّها تُجدِّدُ العبادة ، وتُورث الزهادة ، وتجرُّ الصداقة ، وأقِلُّوا المسائلَ إلا ما نزل ، فإنَّها تقسي القلوب ، وتورث العداوة .
وقال الميمونيُّ : سمعتُ أبا عبد الله - يعني : أحمد - يُسأل عن مسأَلة ، فقال : وقعَت هذه المسألة ؟ بُليتم بها بعدُ ؟
وقد انقسم الناسُ في هذا الباب أقساماً :
فمن أتباع أهلِ الحديث
منْ سدَّ بابَ المسائل حتَّى قلَّ فقهه وعلمُه بحدود ما أنزل الله على رسوله ، وصار حامِلَ فقه غير فقيه .

ومن فقهاء أهل الرأي من توسَّع في توليدِ المسائل قبلَ وقوعها ، ما يقع في العادة منها وما لا يقع ، واشتغلُوا بتكلُّفِ الجواب عنْ ذلك ، وكثرة الخصومات فيه ، والجدال عليه حتَّى يتولدَ مِنْ ذلك افتراقُ القلوب ، ويستقرَّ فيها بسببه الأهواءُ والشحناءُ والعداوةُ والبغضاءُ، ويقترن ذلك كثيراً بنية المغالبة، وطلب العلوِّ والمباهاة ، وصرف وجوه الناس وهذا ممَّا ذمه العلماءُ الربانيون ، ودلَّتِ السُّنَّةُ على قبحه
وتحريمه .
وأما فقهاء أهل الحديث العامِلُون به ، فإنَّ معظمَ همِّهمُ البحثُ عن معاني كتاب الله - عز وجل - ، وما يُفسِّرُهُ من السنن الصحيحة ، وكلام الصحابة والتابعين لهم بإحسّان ، وعن سُنَّةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومعرفة صحيحها وسقيمِها ، ثم التفقه فيها وتفهمها ، والوقوف على معانيها ، ثم معرفة كلام الصحابة والتابعين لهم بإحسّان في أنواع العلوم من التفسير والحديث ، ومسائل الحلال والحرام ، وأصول السُّنة والزهد والرقائق وغيرِ ذلك ، وهذا هو طريقة الإمام أحمد ومَنْ وافقه من علماء الحديث الرَّبّانيين ، وفي معرفة هذا شغلٌ شاغلٌ عن التَّشاغُل بما أحدثَ من الرأي ممَّا لا يُنتفع به ، ولا يقع ، وإنَّما يُورثُ التجادلُ فيه الخصوماتِ والجدالَ وكثرة القيل والقال . وكان الإمام أحمد كثيراً إذا سُئِلَ عن شيء من المسائل المولدات التي لا تقع يقول : دعونا منْ هذه المسائل المحدثة