آخر المواضيع

الاثنين، 6 يناير 2014

تغير الأحكام الشرعية بتغير العادات والأعراف

يقول ابن القيم :" هذا فصل عظيم النفع جدا وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة في شيء وإن أدخلت فيها التأويل"( ) 

ويقول : " الأحكام نوعان : نوع لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة ولا اجتهاد الأئمة كوجوب الواجبات وتحريم المحرمات والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم ونحو ذلك فهذا لا يتطرق إليه تغيير ولا اجتهاد يخالف ما وضع عليه 
والنوع الثاني : ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زمانا ومكانا وحالا كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها فإن الشارع ينوع فيها بحسب المصلحة"( )
وقد مثلوا لذلك بأمثلة منها ( ):
• إفتاؤهم بجواز الاستئجار على تعليم القرآن ونحوه لانقطاع عطايا المعلمين التي كانت في الصدر الأول ولو اشتغل المعلمون بالتعليم بلا أجرة يلزم ضياعهم وضياع عيالهم ولو اشتغلوا بالاكتساب من حرفة وصناعة يلزم ضياع القرآن والدين، فأفتوا بأخذ الأجرة على التعليم وكذا على الإمامة والأذان.
• عدم الاكتفاء بظاهر العدالة في الشهادة نظرا لفُشُو الكذب.
• تضمين الأجير المشترك علما أن الأصل خلاف ذلك لأنه أمين إلا أن يتعدى أو يقصر، غير أنهم ضمنوه لكون الناس قد فشى فيهم ادعاء هلاك العين التي بأيدهم، فخولف الأصل حفاظا على أموال الناس.
• تحقق الإكراه من غير السلطان، فقد كان أبو حنيفة لا يرى الإكراه إلا من السلطان، فلما كثر الظلم والظلمة خولف هذا الرأي لفساد الزمن.
• ومنع النساء الشابات من حضور المساجد لصلاة الجماعة لفساد الزمان وسوء الأخلاق.
• ودخول الحمام بدون بيان مدة المكث. 
• العرف الشائع بين الناس هو المحكم في بيان اتحاد المجلس أو تغيره، فإذا صدر القبول في حال اتحاد المجلس، نشأ العقد، وإذا صدر القبول بعد تغير المجلس لم يعتبر ولم ينشأ به العقد. وضابط ذلك أن القبول يكون معتبرا ما دام لم يتخلل بينه وبين الإيجاب ما يعد إعراضا عن العقد من أحد الطرفين، وما دام المجلس قائما.والاحتكام إلى العرف في بيان ما يغير المجلس متفق عليه بين المذاهب لأن ما ليس له حد في اللغة ولا في الشرع، يرجع فيه إلى العرف، فلو كان العاقدان في دار كبيرة يتغير المجلس بالخروج من البيت إلى صحن الدار، أو بالعكس، وإن كانا في دار صغيرة أو في سفينة أو مسجد صغير يتغير المجلس بخروج أحدهما منه، أوبصعود السطح، وإن كانا في سوق أوصحراء يتغير المجلس بأن يولي أحدهما ظهره ويمشي قليلا كثلاث خطوات. ولو تناديا بالعقد من مكان بعيد، بقي المجلس ما لم يفارق أحدهما مكانه، فإن مشى كل منهما ولو إلى صاحبه، تغير المجلس. ولو تماشى الطرفان مسافة دام المجلس، وإن زادت المدة على ثلاثة أيام ما لم يعرضا عما يتعلق بالعقد( ).
• وقال الشافعية: الإحياء الذي يملك به: يختلف بحسب الغرض المقصود من الأرض، ويرجع فيه إلى العرف، والعرف يمثل المصلحة عادة؛ لأن الشرع أطلقه، ولا حد له في اللغة، فيرجع فيه إلى العرف كالقبض في المبيع والموهوب، والحرز في السرقة: وهو في كل شيء بحسبه، والضابط: التهيئة للمقصود.( )
• الزواج ككل عقد ينشأ عنه حقوق وواجبات متبادلة يلزم بها كل من الزوج والزوجة، وقد نص القرآن الكريم على هذا المبدأ، فقال تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} [البقرة:228/2] أي أن للنساء من الحقوق على الرجال مثل ما للرجال عليهن من واجبات، وأن أساس تقرير هذه الحقوق والواجبات هو العرف المستند إلى فطرة كل من الرجل والمرأة.( )
• يصح كون المهر معجلا أو مؤجلا كله أو بعضه إلى أجل قريب أو بعيد أو أقرب الأجلين: الطلاق أو الوفاة، عملا بالعرف والعادة في كل البلدان الإسلامية، ولكن بشرط ألا يشتمل التأجيل على جهالة فاحشة.( )
• لم يوجب الجمهور تعيين الأجر -بالنسبة للأجير- للعرف واستحسان المسلمين.( ) وغيرها من الأحكام التي تدور مع اختلاف الزمان والمكان والعادات.
و على هذا فلا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان، كما هو معروف مشهور، وذلك بسبب تغير العرف، أو تغير مصالح الناس، أو مراعاة الضرورة، أو لفساد الأخلاق، وضعف الوازع الديني، أو لتطور الزمن وتنظيماته المستحدثة. فيجب تغير الحكم الشرعي لتحقيق المصلحة ودفع المفسدة، وإحقاق الحق والخير. وهذا يجعل مبدأ تغير الأحكام أقرب إلى نظرية المصالح المرسلة منها إلى نظرية العرف.
ومما ينبغي ملاحظته أن الأحكام القابلة للتغير أو التطور هي المستنبطة بطريق القياس أو المصلحة المرسلة، وذلك في نطاق المعاملات أو الأحكام الدستورية والإدارية والعقوبات التعزيرية، مما يدور مع مبدأ إحقاق الحق وجلب المصالح ودرء المفاسد.
أما ماعدا ذلك من الأحكام الأساسية المقررة لغاية تشريعية أو مبدأ تنظيمي عام، فهي أمور ثابتة لاتقبل التطور، مثل أصول العقيدة والعبادات والأخلاق وأصول التعامل كحرمة محارم الإنسان، ومبدأ الرضائية في العقود، ووفاء العاقد بعقده أو عهده، وضمان الضرر اللاحق بالغير، وتحقيق الأمن والاستقرار، وقمع الإجرام، وحماية الحقوق الإنسانية العامة، ومبدأ المسؤولية الشخصية، واحترام مبدأ العدالة والشورى.