آخر المواضيع

الثلاثاء، 1 أكتوبر 2013

ما حكم من اشترى أضحية ثم طرأ عيب مُخِل عليها بعد ذلك ؟


شخص اشترى أضحية سالمة من العيب المانع من الإجزاء، ثم صار فيها عيب من العيوب التي لا تُقبل ولا تُجزئ في الأضحية، ماذا يعمل ؟
الجواب :

"اختلف الفقهاء في هذه المسألة كما يلي :
القول الأول: يذبحها وتجزؤه ، نقل هذا القول عن عطاء والحسن والنخعي والزهري والثوري والشافعي وأحمد واسحق وهو قول الهادوية (1) .
القول الثاني: لا تجزؤه ، ولا بد أن يذبح بدلها ، وهو قول الحنفية والمالكية (2) .
حجة الفريق الأول :
 ما ورد في الحديث عن أبي سعيد t قال :( اشتريت كبشاً أضحي به فعدا الذئب فأخذ أليته فسألت النبي e فقال : ضح به ) رواه أحمد والبيهقي (3).
ورواه ابن ماجة ولفظه عن أبي سعيد قال :( ابتعنا كبشاً نضحي به فأصاب الذئب من أليته أو أذنه فسألنا النبي e فأمرنا أن نضحي به ) (4).
وقال في الزوائد:[ في إسناده جابر الجعفي وهو ضعيف قد اتُهِمْ ] (5)وكذَّبه ابن حزم (6).
وفي رواية أخرى عند البيهقي عن أبي سعيد :( أن رجلاً سأل النبي e عن شاة قطع الذئب ذنبها ، يضحي بها ؟ قال : ضح بها ) (7) .
وقال المجد ابن تيمية بعد أن ذكر حديث أبي سعيد :[ وهو دليل على أن العيب الحادث بعد التعيين لا يضر ] (8) .
قال الشوكاني :[ فيه دليل على أن ذهاب الألية ليس عيباً في الضحية ، من غير فرق بين أن يكون ذلك بعد التعيين أو قبله ، كما يدل على ذلك رواية البيهقي ] (1) .
ومما يؤيد القول الأول : أن ابن الزبير رضي الله عنهما رأى هدايا له فيها ناقة عوراء
فقال :[ إن كان أصابها بعدما اشتريتموها فأمضوها ، وإن كان أصابها قبل أن تشتروها فأبدلوها ] (2) .
وروى عبد الرزاق بإسناده عن الزهري قال :[ إذا اشترى الرجل أضحيته فمرضت عنده أو عرض لها مرض فهي جائزة ] (3) .
وقال ابن قدامة مستدلاً للإجزاء :[ ولأنه عيب حدث في الأضحية الواجبة فلم يمنع الإجزاء ، كما لو حدث بها عيب بمعالجة الذبح ] (4) .
حجة الفريق الثاني :
قال الزيلعي الفقيه :[ ولو اشتراها سليمة ثم تعيبت بعيب مانع من التضحية ، كان عليه أن يقيم غيرها مقامها إن كان غنياً .
وإن كان فقيراً يجزئه ذلك ؛ لأن الوجوب على الغني بالشرع ابتداءً ، لا بالشراء فلم يتعين بالشراء .
والفقير ليس عليه واجب شرعاً ، فتعينت بشرائه بنية الأضحية ، ولا يجب عليه ضمان نقصانها ، لأنها غير مضمونة عليه فأشبهت نصاب الزكاة ] (5) .
ثم ذكر حديث أبي سعيد السابق ثم قال :[ ويحمل على أنه كان فقيراً لأن الغني لا يجزئه لوجوبها في ذمته ولا كذلك الفقير ] (6) .
وأما إذا طرأ العيب على الأضحية حين إضجاعها للذبح ، كأن أضجعها فاضطربت فأصابت السكين عينها ، فعورت أو كسرت رجلها ، فاختلف الفقهاء في ذلك على قولين :
القول الأول :أنه يذبحها وتجزئه أضحية ، وهذا قول الحنفية استحساناً والحنابلة ،
وهو أحد القولين عند الشافعية (1) .
قال صاحب الدر المختار :[ ولا يضر تعيبها من اضطرابها عند الذبح ] (2) .
وقال الكاساني :[ ولو قدم أضحية ليذبحها فاضطربت في المكان الذي يذبحها فيه فانكسرت رجلها ثم ذبحها على مكانها أجزأه . وكذلك إذا انقلبت منه الشفرة فأصابت عينها فذهبت .
والقياس أنه لا يجوز .
 وجه القياس : أن  هذا عيب دخلها قبل تعيين القربة فصار كما لو كان قبل حال الذبح.
 وجه الاستحسان : أن هذا مما لا يمكن الاحتراز عنه لأن الشاة تضطرب فتلحقها العيوب من اضطرابها ] (3) .
القول الثاني :لا تجزئه ، وهو قول المالكية وأصح القولين عند الشافعية (4) .
القول الراجح :
والذي يظهر لي رجحان القول بجواز الأضحية إن طرأ العيب عليها بعد شرائها ، وكذا  إن طرأ العيب عليها عند معالجة ذبحها .
أما في الحالة الأولى : فقد سبق القول بأن الراجح من أقوال أهل العلم أنه الأضحية سنة وليست واجبة ، وهذا قد اشترى الأضحية المجزئة الخالية من العيوب ، ثم طرأ العيب بعد ذلك دون تقصير منه ، فلا يُكَلَف شراء أخرى ، لما في ذلك من المشقة .
ويمكن الاستئناس بحديث أبي سعيد السابق ، فإنه وإن ضعفه بعض أهل الحديث لأنه من رواية جابر الجعفي .
إلا أن شعبة بن الحجاج روى عنه وفي ذلك تقوية له .
قال الحافظ ابن عبد البر :[ وقد تكلموا في جابر الجعفي ولكن شعبة روى عنه وكان يحسن الثناء عليه وحسبك بذلك من شعبة ] (1) .
كما وأن رواية جابر الجعفي هذه تتقوى بالرواية الأخرى عند البيهقي ، فيرتقي الحديث إلى درجة الحسن لغيره .
ويمكن الاستئناس بما رواه البيهقي عن ابن الزبير أيضاً ، وبما رواه عبد الرزاق عن الزهري .
وأما الحالة الثانية - إذا تعيبت عند الذبح - : فأرى أنها مجزئة أيضاً ، لأن الغالب على الحيوان الاضطراب عند الذبح ، وقد تصيبه السكين قبل ذبحه فلا يمكن التحرز من ذلك ، فالقول  بالإجزاء هو الأولى ، والقول بخلافه فيه تشدد وإلحاق الحرج بالمضحي لأنه سيتكلف بدلها والله أعلم .
الدكتور حسام الدين عفانه
الأستاذ المشارك في الفقه والأصول
كلية الدعوة وأصول الدين

جامعة القدس




(1)المغني 9/433 ، مصنف عبد الرزاق 4/386 ، السيل الجرار 4/85 .
(2)تبيين الحقائق 6/6 ، حاشية ابن عابدين 6/325 ، حاشية الدسوقي 2/125  ، جامع الأمهات ص 228 .
(3)الفتح الرباني 13/80 ، سنن البيهقي 9/289 .
(4)سنن ابن ماجة 2/1051 .
(5)المصدر السابق .
(6)المحلى 6/12 .
(7)سنن البيهقي 9/289 .
(8)منتقى الأخبار مع شرحه نيل الأوطار 5/133 .
(1)نيل الأوطار 5/133 .
(2)نيل الأوطار 5/134 .
(3)مصنف عبد الرزاق 4/386 .
(4)المغني 9/444 .
(5)تبيين الحقائق 6/6 ، وانظر بدائع الصنائع 4/216 .
(6)تبيين الحقائق 6/6-7 .
(1)حاشية ابن عابدين 6/325 ، المغني 9/444 .
(2)الدر المختار بهامش حاشية ابن عابدين 6/325 .
(3)بدائع الصنائع 4/216-217 .
(4)حاشية الدسوقي 2/124 ، المجموع 8/400 ، كفاية الأخيار ص 529 .
(1)فتح المالك 7/7 .