آخر المواضيع

الاثنين، 25 أغسطس 2014

هل بالفعل يشكل نظام الإرث الإسلامي انتقاصا لكرامة المرأة وظلما لها وهضما لحقوقها ؟ !




هل بالفعل يشكل نظام الإرث الإسلامي انتقاصا لكرامة المرأة وظلما لها وهضما لحقوقها ؟ !


بقلم : عبد الجليل مبرور


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد :

تُعدّ مسألةُ إرث المرأة من المسائل التي تثير حساسية كثير من الكتاب بمختلف توجهاتهم الفكرية، سواء كانوا محسوبين على التيار العلماني الذي لا يطيق رؤية أي تشريع إسلامي على الأرض، بل ويحاربه سواء بالأقلام المستأجرة أو المستدرجة ، أم المحسوبين على التيار العقلاني المتدثر بدثار المرجعية الإسلامية .. وعلى أيٍّ فإن مقالنا هذا سيجمع الفريقين في سلة أو خانة واحدة اقتصادا للجهد والوقت من جهة، و أيضا لتشابه وتداخل الحجج التي يعول عليها كلا الفريقين من جهة أخرى، بل أحدهما عالة على الآخر في ذلك، وعلى كل حال فما دام الهدف والغاية واحدة وهي ضرب منظومة الإرث في الشريعة الإسلامية واستبدالها بنظم وضعية بدعوى عدم تلبيتها لتطلعات الجمعيات الحقوقية، وعدم توفير مظلة العدل للمرأة في مجتمعاتنا المعاصرة، وهي دعاوى براقة ، كنار الشمعة تجذبُ الفراش إلى حتفه..

فهل بالفعل يشكل نظام الإرث الإسلامي انتقاصا لكرامة المرأة وظلما لها وهضما لحقوقها ؟ !
وهل بالفعل نظام الإرث الإسلامي عاجز عن حل الإشكالات الحقوقية المعاصرة؟ !

هذا ما سنحاول – بإذن الله - تجليته وبيانه في هذا المقال، فنقول وبالله التوفيق :
- زعموا أن آية سورة النساء قد امتهنت المرأة ! بل جعلتها نصف إنسان ! وهي قوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ)[النساء ، 11] .
- ونرد على هذا التهافت، بأن الإسلام جاء ضامنا لحق المرأة، منصفا لها من الجور الذي لحقها، ومن الحرمان الذي كانت تتعرض له في الجاهلية، فبرجوعنا إلى كتب التفسير، ومنها مثلا تفسير القرطبي نجد أن للآية سياقا وسببا  يؤكد ذلك، وهذا السبب مجمله أن امرأة تُدعى أمّ كُجَّة توفي زوجها وترك لها ثلاث بنات، فقام ابنا عم الهالك - يُقال لهما سُويد وعَرْفَجة -بأخذ التركة كلها، وكانوا في الجاهلية لا يورّثون النساء ولا الصغار، وإن كانوا ذكورا، وكانت العرب تقول :"لا نُعطي إلا من قاتل على ظهور الخيل، وطاعن، وضارب بالسيف، وحاز الغنيمة !!" فعرضت أم كجة الأمر على النبي صلى الله عليه وسلم قائلة :" ولدها لا يركب فرسا، ولا يحمل كَلاّ، ولا ينكأُ عدوّا" . فأنزل الله جل وعلا آية النساء " لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضا" [النساء 7] ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى سويد وعرفجة بعدم قسمة التركة، لأن الله عز وجل فرض نصيب النساء، ولم يُبين كم هو ، ثم نزلت فيما بعد آيات المواريث الثلاثة تفصل الفروض المقدَّرة. كما أن للآية سبب ثان كما في مسند الإمام أحمد بسند حسن، حيث إنها نزلت في زوجة سعد بن الربيع بعد استشهاده في غزوة أحد وله ابنتان، وعمهما لم يدع لهما شيئا، فنزلت الآية ، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أعط ابنتي سعد الثلثين، وأعط أمهما الثمن، وما بقي فهو لك " .

من خلال ما سبق يتبين لنا أن الإسلام جاء ضامنا لحقوق المرأة، في وقت كانت فيه نكرة ومظلومة،  وهنا نشير إلى نكتة لطيفة، وهي : لماذا قدر الله نصيب الذكر بحظ الأنثى وجعله مقياسا ومكيالا نعرف به نصيب الذكر ؟
- يُجيب الطاهر ابن عاشور رحمه الله عن هذه المناسبة في تفسيره بقوله :  " وهي الإيماء إلى أن حظ الأنثى صار في اعتبار الشرع أهم من حظ الذكر ..."اهــ
- من جهة أخرى لو تأملنا القسمة جيدا، لوجدنا أن الأنثى هي الأكثر حظا فيها، وذلك لأن حظّها محفوظ من موجبات تبديده وضياعه بعد استحقاقه، فبعد أخذه ليست ملزمة بصرفه على بيتها، وليس عليها النفقة، فيبقى مدخرا لها، بخلاف الرجل، فهو يُنفق من حقه وجوبا.

أما ما يروجه الخصوم من شبهات ودعاوى مضللة، بأن نصيب الذكر يفوق الأنثى في الميراث، فهذا قول متهافت وملغوم، الهدف منه تأليب وتنفير الناس من نظام الإرث، والرد عليه يكون من جهتين:

- الجهة الأولى : أن توزيع الأنصبة ليس متعلقا بالأنوثة أو الذكورة دائما، وإنما غالبا يكون منوطا بدرجة القرابة من الهالك، ألا ترى أن الوارث إذا كان بنتا، فهي ترث النصف، في حين أن أباها يرث الربع، فهناك فاقته وهي أنثى، لكونها الأقرب، فبازدياد القرابة يزداد النصيب.
أيضا مما يؤثر على توزيع الأنصبة اختلافُ الأجيال، فمثلا جيل الجدة أضعف من جيل الأبناء، لحكمة لطيفة وهي أن الأبناءَ مقبلون على الحياة، وهؤلاء يستدبرونها.
فإن تساوى هذان المعياران في حق الورثة، واتفقوا قرابة وجيلا، آنذاك يُراعى في التوزيع العبء المادي للوارث، فيُعطى الذكر أكثر من الأنثى، نظرا لوجوب النفقة عليه، فهو ملزم بمهر الزواج، والنفقة على الزوجة أيضا مطالب بالنفقة على أصوله وفروعه، بخلاف الأنثى التي سيبقى حقها محفوظا، لأنها غير ملزمة بالنفقة على أبنائها إلا ما تفضلت به عن طواعية وطيب خاطر، لا يتعلق به شيء مما فُرض على الذكر.
أما إذا انعدم العبء المادي والمسؤوليات تجاه الأصول والفروع، كما في حال الإخوة والأخوات لأم، فهنا تتساوى أنصبتهم كما في آية الكلالة ، وهي قوله تعالى :  (وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ)[النساء12]
ولهذا تجد دعاوى إعادة النظر في نظام الإرث، ملغمةٌ شعاراتها، لتستعطفَ وتستجديَ عطف العوام والدهماء الذين ليس لهم علم بهذه الفروقات الدقيقة والعجيبة للشريعة الإسلامية.

- أما الجهة الثانية : فكما هو معلوم أن زمننا هذا هو زمن الحقائق المادية التجريبية والإحصائية بامتياز، ويُعتمد على الدراسات الإحصائية بشكل أساسي في التأسيس للقوانين وتسطير الخطوط العريضة والسياسات الكبرى للدول، ومن هذا المنطلق فقد قام  أحد الباحثين السودانيين بدراسة استقرائية إحصائية شاملة لجميع احتمالات حالات الميراث، ويُدعى الشيخ عبد الجليل ندى الكاروني، ذكرها عنه د. محمد عمارة في كتابه الغرب والإسلام، وخرج بالنتائج التالية :

- الأنثى ترث نصف الذكر في حالات تمثل فقط نسبة 33,13 بالمئة، بينما ترث الأنثى مثل الذكر أو أكثر منه في حالات تصل إلى 67,86 بالمئة من مجموع حالات الإرث الممكنة الوجود واقعية.
- أيضا فإنه من بين أكثر من ثلاثين حالة، هناك فقط أربع حالات هي التي ترث فيها الأنثى نصف الرجل، أما باقي الحالات فهي إما ترث مثله، أو أكثر منه، وأحيانا ترث لوحدها ولا يرث نظيرها من الرجال، وللتوسع حول هذه الحالات كلها تفصيلا يُرجع إلى كتاب "ميراث المرأة وقضية المساواة" للدكتور صلاح الدين سلطان.

وإذا ما قارنا النظام الإسلامي بغيره من الشرائع، نجد أن شريعة اليهود تحرم الأنثى من الميراث إلا عند فَقْدِ الذكور، وكذلك النصارى تبع لهم في ذلك على اعتبار أنهم ليست لديهم شرعة، فشرعة موسى عليه السلام ملزمة لهم.

ولا يفوتنا أن نشير إلى أن نظام الإرث في الشريعة الإسلامية، يُعدّ من ثوابتها وقطعياتها، ولا يجوز إلغاؤه أو إقصاؤه، ولم يخالف في ذلك عالم من العلماء، بل كلمتهم مطبقة على ذلك طوال هذه العصور.

وفي الختام، ومما سبق يتأكد لنا يقينا أن هذه الشبهات التي يوردها المنادون بتعديل نظام الإرث في الشريعة الإسلامية من ليبراليين وعلمانيين وغيرهم باسم الحداثة، إنما يروجونها تحت غطاء الدفاع عن حقوق المرأة لأنه الغطاء البالي والهش لتضليل أبناء الأمة، وهي دعوى نافقة بل مبطنة كحصان طروادة، ويصدق فيها قول الشاعر أبي القاسم الداودي :

الذئب أخبث ما يكون إذا بدا .... متلبسا بين النعاج إهابا 

لذلك فالهدف الرئيس منها هو التذرع بها إلى ما هو أخبث، وهو طمس آثار الشريعة الإسلامية نهائيا من المجتمعات الإسلامية، فإن كان هناك ظلم للمرأة، فهو إنما في الأديان المحرفة والقوانين الوضعية، وليس في الشريعة الإسلامية، التي جاءت لضمان الحقوق وحفظها.